في غرام القاهرة: ضي القناديل
1- في العيادة
كان يوماً طويلاً في العيادة، يوماً مليئاً بالعمل والمشاكل، بدأت الليلة عندما اتصلت بي الممرضة لتعلن “يا دكتورة أوضة الكشف غرقت مية”، ولم أحدد مشاعرها تجاه هذه الواقعة، كانت تبلغني كأن هذا شيئاً عادياً يحدث بشكل يومي!
تخليت أنا وأمنية -صديقتي- عن أدوار الطبيبات وبدأنا في محاولات الإصلاح، حتي توصلنا إلى حل وسط- يمشي اليوم يعني- حتى يأتي مهندس الصيانة المختص في اليوم التالي.
ولكن هل بدأ اليوم هكذا؟
” ما تيجي نعمل ألوان في شعرنا؟”
“بنفسجي؟”
“تركواز!”
“وتفتكري هيثقوا فينا كدكاترة؟”
” هيحبونا أكتر وأكتر” صاحت أمنية بحماسها الطفولي جداً!
وفي رحلة البحث عن الألوان المناسبة للشعر، وجدناها بصعوبة! ولكن قليلاً من البهجة يحمي القلب!
واقترحت عليها أن نجرب في البداية طبشور الشعر الملون! على الاقل المغامرة محسوبة!
2- العربية
جلسنا علي الأرض في الغرفة المعزولة في العيادة، غرفة الكتابة، الجدران زرقاء بلون البحر، والمكتبة بيضاء قديمة تحمل ذكريات غريبة عني ولا أعلمها ولكني أحب صاحبتها ولها مكانة في قلبي لا أحد ينافسها فيها.
على الشلتة السوداء التي تحمل تطريزاً من الخيامية بمنطقة الأزهر جلست ألتقط أنفاسي بعد عملية طويلة لم أفعل فيها شيئاً سوي أنني كنت أساعد أمنية!
“تيجي نلف بالعربية؟”
كانت الساعة قد جاوزت الحادية عشرة مساء، وتذكرت أنه يوم الثلاثاء، أي ميعاد البرنامج الأسبوعي “البحث عن الذهب” الذي تقدمه سحر الموجي، أو فقط سحر صديقتي وأمي الروحية.
وفكرت أنني لأول مرة سأسمعها وأنا في الشارع.
“يعني إنت والقاهرة بالليل وصوت سحر؟ مفيش أحلى من كدة!”
“بس إنت اللي هتسوقي” قالت أمنية.
3- البرنامج الأوروبي
أدرت المؤشر حتي وجدت البرنامج الأوروبي، وكان البرنامج بالفعل قد بدأ
” يالهوي حب إيه بس اللي هنتكلم عنه”
وبدأنا الرحلة التي إستمرت ساعتين تقريباً!
الخروج من مدينة نصر بعد منتصف الليل هو إحساس بالحرية لا يأتينا كثيراً، في النهار حتى ننجو من زحامها نأخذ شوارع جانبية كثيرة كي نصل إلي كوبري أكتوبر أو نفق الأزهر وما إن نصل إلي هناك حتى نجده ازدحم هو الآخر، أما في ذلك الوقت من الليل كل ما عليك فعله هو أن تجد في ملفات الموسيقي ما تحبه وتنطلق بسرعة هادئة لتستمتع.
على كوبري أكتوبر قابلتنا سيارة شيروكي بها عدد من الشباب الصغير جداً قد لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة، وبدأ طبعاً السيناريو المعتاد من السخافات، ولماذا نجعلهم يعكرون صفونا؟
الذي لفت انتباهنا، لماذا يتفنن رجال هذا المنطقة بالعكننة علينا بأي طريقة حتى لو كنا من البؤس أن نشعر ببعض الحرية والاستمتاع فقط كوننا في هذا التوقيت من الليل في سيارتنا نجوب شوارع المدينة!
وعندما وصلنا إلى منطقة وسط البلد، كان ميدان طلعت حرب لأول مرة في عيني جميلاً، ويافطة جروبي المنيرة باللون الأخضر تجعلك تشتاق لزمن لم نره ولم نعرفه! ولكنه شعور بالألفة بأنه كانت هناك حياة جميلة يوماً ما في تلك الأماكن.
و في برنامج البحث عن الذهب كانت فواصل الموسيقي التي تختارها الموجي هي موسيقى من التسعينيات، فكانت النوستالجيا في تلك اللحظة هي المسيطرة.
” ما هو الحب، وكيف نخرج من الإطار الضيق لتعريفه”
كان ذلك السؤال مطروحاً بصوتها الهادئ الحميم.
4 – الرحلة
عندما امتدت بنا الرحلة إلي شارع النيل في الدقي، وجدنا لجنة، الشارع مزدحم ومتوقف كأنها الثانية ظهراً! والحقيقة أن الساعة أشارت إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل!
طبعاً كانت وسيلة التكدير الرسمية هي لجان المرور، أخذنا نفساً عميقاً وأوقفنا موتور السيارة ووقفنا في الطابور المعدني لمدة 15 دقيقة تقريباً! وفي تلك الأثناء كان برنامج الراديو ما يزال مستمراً في إذاعة الأغاني.
الآن تغني شير أغنية نصف إنجليزية نصف إيطالية عن حبيبها الذي توعده بأنها لن تتركه ولكن يتركها هو فتقرر أيضاً أن الحياة حلوة بدونه! الحياة حلوة في المطلق!
نمر من اللجنة دون مضايقة في الحقيقة، لنخرج إلى ميدان الجلاء، لنجد لجنة أخرى!
” يا رب يا رب مرهقين وكنا محتاجين شوية استرخاء!”
الهواء في تلك الليلة كان بارداً قليلا، تلك البرودة المحببة إلى الروح، كأنها تجعل روحك تثبت على المشاعر الحلوة وتترك المؤلمة منها!
وفي اتجاهنا إلى ميدان التحرير قررنا أن نذهب إلى النيل، ولكن نيل كورنيش المعادي.
في تلك البقعة حيث لا ترى سوي النيل. من ميدان بوليفار إلي الكورنيش وقبل مستشفى القصر العيني وجدنا الشارع مزدحماً مرة أخرى. نعم، إنها لجنة أخرى !
” نحن نتعلم عن الحب ولكننا لا نفهمه إلا عندما ننطلق في الحياة ونفهم درجات العمق” عاد صوت الموجي إلى مقدمة ما نحن نفعله.
5- النيل
الآن الساعة وصلت الثانية بعد منتصف الليل، أوقفنا السيارة بجوار النيل. ونزلنا فقط للتنفس بالقرب منه.
حابي، الحبيب الذي لم يخذلنا أبداً. متى ذهبت إلى النيل وقال لك لا؟ متي حاولت أن تحكي له وأدار ظهره؟ أبداً لن ولم يحدث. حامل الأسرار على هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وصلنا إلى المنزل، مغسولتين؟ نعم قليلاً، ولكن يطاردنا شعور غريب وأسئلة عن الحرية والحب.
