كانت سماء الربيع ونجمًا، وكنت أؤلف فقرة حب، لعينيك، غنيتها!، أتعلم عيناك أني انتظرت طويلًا، كما انتظر الصيف طائر، ونمت، كنوم المهاجر، فعين تنام لتصحو عين، طويلًا، وتبكي على أختها، حبيبان نحن إلى أن ينام القمر، ونعلم أن العناق، وأن القبل، طعام ليالي الغزل، وأن الصباح ينادي خطاي لكي تستمرّ على الدرب يوماً جديداً!
ردد كلمات درويش صمتاً حينما كانت عيناه تحدثان عينيها التي تأبى إلا أن تأسره من كل ما هو حوله، تأخذه إلى دنيا لم يعهدها يوماً، دنيا البراح والطمأنينة والراحة التي تسكن القلب في لحظة، عيناها أخاذتان.
إلى جوار بضعهما بعض جلسا ساكنين، كانت الشمس في حُلّة كما لم تكن منذ وقتٍ طويل، أشعتها تروق للنهر الذي يجري أسفلهما، زُرقة السماء صافية تشبه إلى حد كبير مياه النهر التي لم تُكدر بَعد، والفُلك تجري إلى جوار فُلكهما بالمتنزهين الراقصين في يوم عيد.
غفل عن الجميع، لم ير من بين الجالسين ولا العابرين في المراكب القريبة ولا الأصوات المزعجة التي تنبعث من “دي جي”، سوى عيناها ووجودها والنهر وانعكاس عينيها عليه كلما أكرمته وعطفت عليه بنظرة،الحاضرون استمعوا إلى الأغنيات الشعبية، يقولون عنها هذا الاسم في بلادنا رُغم أنها لا ترقى إلى مُزعِجات.
استند بظهره إلى ركنٍ في أول المركب، رمى عينيه في اللاشيء وراح طيفها يتهادى على صفحة النهر فأتاه صوت كمان ورباب وحبيبة درويش، رسائل كنفاني إلى غادة، النهر خالد، النهر بديع، النهر صافي، النهر يأخذك منك إليه ثم يعيد إليك نفسك المطمئنة، هي النهر.
تتلألأ الشمس على صفحة النهر الجاري المتراقص الأمواج، ترمق المياه بعينيها فيزداد النهر تألقاً وبهاءً ويغدو المتنزهون هالات نور أصابهم الضوء، يمتد شعاعهم البرّاق إلى السماء يصطدم بالنجوم في الصفحة الزرقاء فيغدو الكون مضيئًا من أقصاه إلى أقصاه، تعود عيناها إلى عينيه فتركن الأشياء وتعود إلى أصلها ويهدأ الصخب، فتأخذ عيناي كل هذا الضوء فأخشى العمى فأتحاشها وأتحاشى عينيها.
وقفا على حافة المركب، ضربات القلب تأخذ في التزايد والخفقان والاضطراب، لم يكن يحدثها ولم تكن تحدثه، كانا إلى جوار بعضهما فحسب، “سيدتي انظري إلى هذه النجوم في نهاية المدى، نعم هي البعيدة جداً هناك، عينيكِ لا تراها، نعم هي تلك البعيدة جداً التي تضيء هذا الجزء من العالم”، التفتت إليه: “ماذا بها”، أجاب صمتاً: “هي انعكاس ضوء عينيكِ فحسب”.
كانت تخشى الوقوف في مقدمة المركب، اقتربت، تشجعت ووقفت وهو إلى جوارها على حافته، المركب في طريقه إلى مرساه، أسرع وهم بالنزول أولاً وحان وقت نزولها، مد يده إليها، اللمسة الأولى في لحظة راحت كل مشاهد الأفلام العربية تتداعى إلى رأسه، كل رقصة دعا إليها محبوب حبيبته، شباب حفلات الأربعينيات والثلاثينيات في انتظار الأميرة والكل يمد يده في انتظار اقتناص تلك اللمسة والفوز بشرف معانقة اليد لليد، ثوان تُحسب بأيام، ما الدنيا إلا ثوانٍ كتلك التي عاشها وعاشتها.
ليست هناك تعليقات