في معرض أبو ظبي: الكتاب لا يقل أهمية عن الطعام
من يسعى إلى الإبداع، لا يعرف التوقف، يظل الشغف والبحث عما هو جديد عقيدته الأولى، هؤلاء الناس كذلك، يبحثون فى التفاصيل، يعيدون تأويلها وتصويرها ليضيفوا لأنفسهم ما هو جديد ومبهر فى آنٍ واحد.
هذا الانطباع ليس وليد الصدفة، فعلى مدار سنوات متعددة حينما كان يتم دعوتى فيها إلى حضور فعاليات أحد دورات معرض أبو ظبى الدولي للكتاب، والذي تنظمه هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة في مركز أبو ظبي الوطني للمعارض، فى دولة الإمارات العربية المتحدة، أجد ما يبهرني، وخاصةً أنني مولع بالتفاصيل البسيطة التي لديها القدرة على أن تجذب انتباهك إليها.
نعم، أعرف أن هناك معايير كثيرة ينظر إليها المتخصصون في شؤون المعارض العربية والأجنبية، وتعتمد على أساسها مشاركة أغلب دور النشر فيها، مثل: الضيوف، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وحجم التعاقدات التي تتم خلال فترة المعرض، من ترجمة وما إلى ذلك، إلا أن هناك دائماً من يبحث عن التميز، وما يجعل له بصمة ونكهة خاصة، وتحديداً إذا كان عالم الإبداع متمثلاً في الكتاب وكل ما يتعلق به هو ما يلتقي الجميع من أجله.
وفي هذه الدورة الخامسة والعشرين، التي تحتفي بمؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (1 ديسمبر 1918 – 2 نوفمبر 2004)، قدّم معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، ما يلفت الانتباه إلى أي مدى تسعى إدارته المتمثلة في هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، في بحثها المستمر عن كيفية تسويق الكتاب، وربطه وجعله جزءاً أساسياً لا غنى عنه لدى الأسر التي تتوافد على المعرض من وقتٍ إلى آخر.
إن ثمة تفاصيل ترتبط بنا وتصبح عادة نقوم بفعلها دون تفكير منا، وهذا ما حاولت إدارة معرض أبو ظبي الدولي للكتاب التركيز والعمل عليه، حيث عملت على تحويل أو إحداث بعض التغيير في الذهنية المرتبطة لدى زائر أي معرض للكتاب، وذلك حينما التقطت هذه العادة المرتبطة بالإنسان العادي الذي يذهب إلى أحد المتاجر الكبيرة مثل كارفور، على سبيل المثال ليشتري أساسيات منزله، المتمثلة في الغذاء والمشرب والملبس وكل ما يحتاجه ولا غنى عنه، فإن أول ما يفعله هو اقتناء عربة متحركة تحمل احتياجاته، ترافقه خلال رحلته في البحث عن مستلزماته، وتكون عوناً له في حمل الكثير والكثير.
وما فعلته إدارة معرض أبو ظبي الدولي للكتاب، أنها قامت بصناعة عربة خاصة من الورق المقوى، أشبه بهذه العربة الحديدية التي تجدها في استقبالك أمام أحد المتاجر، وأحدثت عليها بعض التغييرات لتضيف إليها هويتها الثقافية والفنية والإبداعية، ولتكون عوناً لزائر المعرض على حمل ما يحتاجه من كتب وما إلى ذلك.
إن ما فعلته هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، لا يتوقف عند صناعة هذه العربة التي جعلتها مجانية للزائرين، بل يشير إلى أي مدى تحاول أن تجعل من الكتاب جزءاً أسياسياً في حياة الإنسان العادي، الذي يرى أن زيارة أي معرض للكتاب أمر ترفيهي غير ضروري، يصطحب خلاله أسرته مرة أو مرتين ليقضي بعض الوقت ثم ينصرف حاملاً بعض الكتب ويذهب.
هذه اللمحة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تجسدت في شعار هذه الدورة الخامسة والعشرين: أبو ظبي تقرأ، فما أسهل أن نطلق الشعارات صباحاً ومساءً، وما أيسر أن ننادي ونحلم بمجتمع يقرأ، فالسير في الطريق أصعب من الحلم به.
فهل يتخذ بعضنا بعض قدوة للآخر ونسعى للتغير وتحقيق الأحلام؟



