السبت

المتعصبون زبائنها والجهل مصدر رزقها. ماذا تعمل أم أحمد؟


“لما قالوا دي بنية جابولي بدل السمنة مية، ولما قالوا ده ولد إتشد ظهري واتفرد”، أغنية شعبية، عادة ما تُغنى في صعيد مصر، تصف حالاً مازال موجوداً حتى يومنا الحالي، ولد أم بنت؟ أول سؤال يطرح قبل معرفة حالة من أنجبتهم، ولد! كأنهم امتلكوا الدنيا وما فيها، بشاشة وفرحة تعم الصدور ونور يضيء الوجوه، بنت! تسود الدنيا والوجوه، ويخيم الحزن والعويل بين الجدران اللبنية، وتخرج شمة أو أم أحمد كما يناديها أهل قريتها الصغيرة الرياينة بمحافظة سوهاج، كسيرة الخاطر والفؤاد تجر أذيال خيبتها حاملة بضع جنيهات في يدها وسيلاً من الشتائم والسباب لا يفارق أذنها وروحها.

ثلاثون عاماً تعمل شمة داية في تلك القرية الفقيرة، يخرج الكلام من فمها مبعثراً متلعثماً على حد عمرها الذي تجاوز الـ 60 عاماً، أما جسدها وصلابته فيقولان شيئاً آخر: “بيقى يوم عيد لما الست تجيب ولد باخد أجرتي 150 جنيه، ده غير السكر والسمن والعدس، وباخد نقوط من كل رجالة العيلة، بيبقى يوم هنا ليهم وليا”.

“ولو بنت؟!”؛ مجرد سؤال سألته لها فاسودّ وجهها وقالت: “بيقى يوم شؤم على الكل، باخد 50 جنيه أول عن آخر وأهل البيت بيبقوا حزانى وكإن مات لهم ميت”.

بالرغم من وجود مشفى عام في مركز طما الذي تتبعه القرية إلا أن أغلب بيوت الرياينة تلد زوجاتهم على يد الداية، تقول شمة بهدوء: “إحنا في الصعيد والصعايدة مش بيحبوا حريمهم تتكشف على رجالة، وده كمان عشان ربنا ما يقطعش رزقي”، تذهب “شمة من أجل توليد سيدة ما وتحمل معها أدوات التوليد: موس حلاقة جديد لقطع الحبل السري، وزجاجة مطهر لتنظيف المرأة بعد الولادة، قد يستغرق الأمر كما تؤكد من ساعتين إلى ثلاث، وتضيف: “وهناك حالات تستغرق يوماً كاملا”، وتقول: “عشان الطلق يحمى ونسرع الولادة، باطلب من أصحاب البيت يسلقوا بيض ويجيبوا سكر وتمر، وأخلي الست الحامل تاكلهم، ده بيحمي الطلق ويفتح الرحم فبتولد بسرعة، بس أوقات بتبقى فيه حالات صعبة، يعني الواد نازل بالمقلوب، أو الراس مش في الرحم، باجري أخبر أهل البيت وأقولهم ماليش دعوة لازم تروح مستشفى”، وتضيف شمة بقلق: “ربنا عرفوه بالعقل، ما أقدرش أتحمل مسؤولية إن الست تروح ولا العيل خصوصاً لو واد، في المستشفى يقدروا يتعاملوا معاها”.

تحكي شمة عن لحظة خروجها من الغرفة بعد توليد امرأة حامل: “بعد ما الست بتولد وبنظفها بالمية السخنة هي وابنها، باخرج لأهل البيت يسألوني واد ولا بت، لو قلت واد الزغاريد بتملى البيت ويقولوا لي أنتي وش السعد ويدوني فلوس بزيادة وكل الرجالة يدفعوا، وإللي ما يدفعش أطلب منه، غير السكر والسمن والخبيز، أما لو قلت بت كإن فيه ميتم ويرموا لي 50 جنيه في الأرض ويسبوا فيي ويقولوا عليا وشي شؤم وبوز فقر، وفيه بيوت الستات بتصرخ لما تعرف إنها بت، خصوصاً إن الست إللي ولدت ما جابتش واد قبل كده وخلفتها بنات، وممكن الرجل يخرج يتفق على جواز من واحدة تانية وما يشوفش بنته إللي خلقت”.

تمصمص شمة شفتيها وتقول: “عندي 3 بنات بيسألوا عليا وبيساعدوني في كل حاجة، وواد واحد بأشوفه بالصدفة من وقت ما إتجوز، لكن نقول إيه بقى، خلفت الصبيان رزق على أهل البيت وعليا”.

ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ mezafast 2015 ©